Friday, March 20, 2009

إلى كلّ أمٍّ مفجوعة...



إلى كلّ أمٍّ مفجوعة
...
إليك يا من فُجعت بموت جنينٍ حملته أشهرًا في أحشائك، وأُريد لمقلتيْه أن تنطفئا ما أن رأتا النور فاكتفيت برسم قبلة وحيدة على وجنةٍ باردة انتظرتها بشغف لكي تشبعيها تقبيلاً...
إليك يا من فُجعت بموت ولدٍ عشت معه وترعرع أمامك لسنوات ثمّ ما لبِثَت شمعتُه أن ذابت قهرًا أمام عينيْك حتّى انطفأت لتُشعلَ في صدرك حرقةً دائمة...
إليك يا من فُجعت بابنٍ مصاب بمرضٍ عُضال كلّت رجلاك من السّير وراء أيّ بصيص أمل علّك تجدين له علاجًا ناجعًا... فتناسيتِ نفسك وكرّست ذاتك من أجل أن تُشفيَه ولكن سدىً...

إليك يا من فُجعت باستشهاد بطلٍ قضى على جبهة الحرب دفاعًا عن وطنه وقضيّته فحُمِلَ لك أشلاءً مزّقت شرايين قلبك وأمطرْتِ ترابَ قبره بدموع عينيك...
إليك يا من فُجعت بابنٍ أسير لا حُكمَ عليه، أو مخطوف مصيرُه مجهول، ربّما هو مسجون وراء قضبان حلمت لو تريْنها على الأقلّ... وربّما لن يعود...
إليك يا من فُجعت من غربة ضنىً هاجر ليؤمّن لنفسه مستقبلاً مشرّفًا، طال انتظارك لتضمِّيه إلى صدرك فجرى دمعك دمًا على غيابه...

إليك يا من فُجعت مِن سلْخ أولادك عنك لقهرك وتعذيبك لأنّك أبيت أن تستسلمي، فعشت تسترقين النّظر إليهم من وراء حائط مدرسة أملاً في أن ينكسر هذا الجدار يومًا وتتمتّعي برفقتهم...
يا أمّ طفلٍ ما لبث أن وُلد حتّى مات... ويا أمّ ولدٍ فقدْتِه باكرًا... ويا أمّ الشهيد... ويا أمّ الأسير ويا أمّ مهاجرٍ لم يعدْ... ويا أمًّا معذّبة... ألفُ تحيّةٍ وتحيّة... إليكنَّ أقول لا تبكينَ خصوصًا في هذا اليوم... أعرف أنّ ذكراهم في بالكنَّ كلّ لحظة، وصورهم تراودكنَّ في كلّ خطوة... ولكن كنتنَّ تنتظرْن هديّتهم اليومَ بالذَّات...
فيا أمّ الطفل الّذي ما لبث أن وُلدَ حتّى اختطفته ملائكة السماء أقول لك إنّ هديّته لك هو ملاكٌ حارسٌ يصلّي تحت الثّرى من أجلك ومن أجل عائلتك فلا تبكيه... بل اشكريه وعيشي مطمئنّةَ البال لأنّه يحرسك وعائلتك... وأنت تعرفين كم هديّته غالية في وطنٍ بات أمنُه على كفِّ عفريت...

ويا أمّ شابٍّ قضى بحادثٍ لم تتوقّعيه أقول إنّ هديّته لك اليوم أنّه بات مثلاً لأخوة له أو أصدقاء، موته أسهم في توعيتهم فلا تتحسّري على غيابه بل استعملي هديّته لكي توعّي كلّ شابٍّ متهوّر...
ويا أمَّ الشّهيد إرفعي رأسك ولا تبكِ فابنُك استُشهد مدافعًا عن شعبٍ جريح، عن قضيّة، يُهدي إليك اليوم نصرًا، هو مات بطلاً ليحرِّرَ أرضًا، وأنت ضحّيت بالغالي من أجل الأغلى...تذكّري تضحيات السيّد المسيح وأمّنا العذراء، فالمعالي لا تُكتسب إلاّ بالتّضحيات وافخري بما أنجزه ابنك ودعي البكاء لهم بنصرتك...

ويا أمًّا تنتظر أسيرًا أو مهاجرًا أو مخطوفًا أو حضانة ولدٍ أقول لك: هديّتك مؤجّلة ولكن لن تطولَ... لا تفقدي الأمل ولا تدعي اليأسَ يسيطر عليك... واعلمي أنّ البكاءَ لن ينفعَ، بل هو يفرِّحُ العدوّ ويُحزنُ الصّديق... أصواتُ الأسرى ستتحدّى السجّان... وقيودُ الغربة ستنفكّ قريبًا وقريبًا جدًّا... في السابع من حزيران... ليعودَ كلُّ ابنٍ مغترب ويعبِّرَ عن الوطن الّذي كان يحلم ألاّ يأتيَ يومٌ فيهجُرَه... والعدالةُ والحقُّ سينتصران... ونُصرةُ المظلوم لا بدَّ أن تنجلي يومًا...

أخيرًا، لكلّ أمٍّ ولدت طفلاً في لبنان حمل منذ وُلد حصّةً من الدين العام قيمتها ثمانية عشر ألف دولارًا لا ذنبَ له فيه... أنت أيضًا أمٌّ مفجوعة... وأقول لك علّمي ابنك كيف يتحرّرُ من هذا الدّين بمحاسبة وتغيير من يحاول غسلَ يديْه من هذه الجريمة... وبإذن الّله ينعادُ عليكنّ جميعًا هذا العيد بغير هذه الظّروف القاهرة... والتّغييرُ آتٍ حتمًا آتٍ

لا شك ان لهذا العيد معانٍ كثيرة، وقيم كبيرة يختزنها بقدر ما تختزن الام من قيم وصفات وعواطف لا حدود لها
كل سنة يأتي العيد حاملاً الينا أحاسيس ومشاعر مختلفة، تجعلنا نشعر أننا أولاد..
نعم!! مهما كبرنا نشعر اننا أولاد في حضرة الام.
كيف أصفك أيتها الام؟ وكم هو صعب وصفك...
انت مربية الأجيال، والارض الخصبة بصلابتها وعطائها، وانت النور باشراقته والامل الذي يجلبه الى البشر،
أنت النار بدفئها... والماء الشافي والساقي لكل عطش يطلب حياة وحنان ..
والاهم أنتِ الهواء...
لماذا أشبهك بالهواء؟.. لأن الهواء أساس الحياة ، وانت أساس الحياة البشرية
لأن للهواء مزاجيات مختلفة، وأدوار مختلفة..
وللأم أيضاً مزاجيات مختلفة وأدوار مختلفة...
قد تكون الام في حالة الهواء - النسيم العليل الذي يمر بلمسات حنان على وجوهنا وأفئدتنا ... ولكن لا شيء يمنع من ان تتحول الى إعصار هائل ورياح غاضبة حين تشعر أن الاذى سيلحق بأولادها وعائلتها ومن حولها...
نعم ايتها الامهات الموجودات في الصالة.. انتن كذلك..
ولأنكن كذلك ساتوجه لكنّ ومن خلالكنّ الى جميع أمهات لبنان..
أطلب منكن اليوم أن تتحولن رياحاً هادرة، عواصف عاتية... فالوطن يحتاجكن والمجتمع يحتاجكن.
أطلب منكن باسمي وباسم شباب لبنان، وباسم أولادكن.. أن تكنّ ريحاً هادرة تقتلع جذور الامراض المجتمعية التي تشوّه أجيالنا..
يقولون وهم صادقون، ان التربية الصالحة تخلق مجتمعاً صالحاً، لا القوانين ولا كل عوامل الردع القانوني تستطيع أن تؤثر في صلاح المجتمع كما تؤثر التربية في المنزل.
لذا، ايتها الامهات الجبارات... كنّ ثورة ضد الظلم والتبعية والاستزلام... كنّ ثورة ضد الفساد والمحسوبية والزبائنية..
ازرعن في نفوس أولادكن قيم االعدل والحق والعدالة والتسامح والعنفوان... واغرسن في وجدانهم حب الوطن والتضحية من أجله.. فالوطن يحتاج لكنّ كما الرضيع الى أمه..
لكي يقوى ويكبر ويصبح دولة حقيقية يعيش فيها ابناؤنا بسعادة، يحتاج الوطن بالدرجة الاولى الى الامهات، الى جهودهن في تربية المجتمع الصالح، المجتمع المقاوم لكل أنواع التعصب والطائفية والذل والتبعية والفساد.
الوطن يحتاجك أيتها الام اليوم أكثر من أي وقت مضى، ويلقي عليك المجتمع مسؤولية إضافية تضاف الى مسؤولياتك.
أتوجه اليك، لأنك النواة الحقيقية للاسرة، التي هي نواة المجتمع، فأشد على يدك وأدعوك الى جهد إضافي لبذله بالاضافة الى الجهد الاساسي.
اعرف أيتها الام، ان المطلوب منك كبير، ولكنك كما كنت في التاريخ دائماً على قدر الآمال والمسؤوليات، ستكونين الآن وغداً.
كما كانت السيدة مريم العذراء والكثير من الامهات عبر التاريخ، تستطيع كل أم لبنانية أن تبني مدماكاً صخرياً يُبنى عليه الوطن، مدماكاً من التفاني والاخلاص والعزة والكرامة والعنفوان يؤسس لأجيال تفيض نوراً وابداعاً على البشرية.
في النهاية، أرسل رسالة محبة للجميع ، واقدم وردة حمراء لكل أم موجودة بينكم. واسمح لنفسي وأطلب منكم أن تسمحوا لي بمناداة كل أم موجودة بينكم.. اناديها أمي... فأقول:
أمي!! اشتقت لكِ واشتاق الوطن لكِ.. نحن نذكرك مع اشراقة كل صباح، مع ابتسامة كل طفل بريء، مع شعاع كل أمل...
أمي!!! اشتاق الوطن لصدرك ودفئك وحنانك... أرجوك !! حاولي أن تعودي وتعيدي العائلة معك...
عشتم وعاش لبنان