Monday, September 26, 2011

أنت لست معذوراً.المطران جورج خضر: السيد اردوغان هل يقرأ؟




أنت لست معذوراً.المطران جورج خضر: السيد اردوغان هل يقرأ؟


في الخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان على وزراء الخارجية العرب في القاهرة أقف عند جملتين منه أولاهما ان "تركيا والعرب يشتركون في العقيدة والثقافة والقيم". العقيدة، بلا منازع، هي الاسلام. هنا كلام يتضمن ان دولته لا يرى وجود اثني عشر مليون مسيحي عربي على الأقل وهؤلاء لا ينتظرون من اجنبي تحديد هويتهم القومية. في ما يختص بالثقافة اللغة التي كان لها أثر كبير في الأناضول هي اللغة الفارسية. بعد محمد الفاتح صارت القسطنطينية قطب جذب للشعراء العرب والفرس حتى تأصل التركي البسيط. ولكن بعامة لم يبقَ من تأثير عربي غير مختلط بالأثر الفارسي حول القرنين الخامس عشر والسادس عشر.

بظهور التنظيمات في القرن التاسع عشر اتجهت تركيا ادبياً نحو الغرب. ثم مع حرب الاستقلال وإعلان الجمهورية التركية السنة الـ 1923 تصلّب الشعور التركي حتى جاء ناظم حكمت الثوري (1902-1963) ثم اتسع الأفق بدءًا بالسنة 1939 بالترجمات والاتجاه نحو الفكر المجتمعي والسياسي. ما هو حي الآن في الأدب لا علاقة له بالعروبة. اما القيم التي يشير اليها السيد اردوغان على انها مشتركة بيننا وبينهم فمنها القديم والحديث، فما من شك ان القديم غير ضاغط علينا واننا تواقون الى الحداثة وذائقون اوروبا بعمق في حين ان الأتراك متعلقون بالعتيق بشدة واوروبا عندهم أمل في الانصهار السياسي بها استكمالا لحلف شمال الأطلسي الذي يجمعهما ويجعل تركيا قوية في دنيا العرب على رجاء عثمانية ما العرب فيها حليف صغير لا شريك كبير.

اما الأكثر مخافة مما سبق فقول السيد اردوغان: "كان في التاريخ التركي شاب تولى انهاء حضارة سوداء وتدشين حضارة جديدة عريقة عندما فتح اسطنبول وهو محمد الفاتح". انا لا اناقش عراقة الحضارة التركية وعظمتها. ولكن ابدأ بسؤال للسيد اردوغان لا ينبغي ان يصدمه وهو هل قرأ الحضارة البيزنطية التي يسميها سوداء. الأتراك عسكر اقوياء استطاعوا مع مؤامرة الأساطيل الغربية التي كانت تربض هناك ان يغلبوا اعظم فكر حضاري السنة الـ1453. ولكن كيف يريد السيد اردوغان ان يقنعنا ان الحضارة المتكاملة العناصر والخلاقة والسامية روحيا حتى السماء كانت سوداء. كيف لا يرى ان نهضة اوروبا ما اخذت تظهر الا بهجرة العقول البيزنطية الى الغرب الذي اقتبس منهم العقل الاغريقي وانشأ الفكر الحديث؟

الحضارة البيزنطية اهم ما فيها الثقافة. عرفت الخط مكتوبا باليونانية واللاتينية في اعمال المؤرخين القدامى ورسائل في الزراعة والفن العسكري، في الطب والطب البيطري، في تأويل الأحلام، كل هذا الف مكتبة كبيرة. اليها كانت مكتبة البطريركية المسكونية التي كانت تحوي أعمال المجامع وكتب الآباء. الى هذا مكتبات خاصة. هنا وهناك كتب طقوسية. ندرة الكتب نابعة من كونها غالية. الوصول الى الكتاب يسهل في العائلات الغنية. المدرسة الابتدائية يشرف عليها الأسقف، يتعلّم الولد فيها القراءة والكتابة والحساب. الكتاب الرئيس هو المزامير. في المدرسة علم الجمل حيث لكل حرف قيمته في الرقم كما في العالم العربي. الترتيل متقن في المدارس.

كل الأولاد كانوا يتبعون المدارس الوسطى. تعلم الناس كل ما في الحضارة القديمة: هوميروس، الهندسة، البلاغة، الرياضيات. كانت الفلسفة تتضمن اللاهوت والرياضيات، الموسيقى، علم الفلك، الطبيعيات. في القرن الثالث عشر ظهر في الترجمة اعمال لاتينية وفارسية وعربية. أخذ القوم عن اللاتينية مفردات الحياة الإدارية وعن العربية تلك المتعلقة بالنسيج. كانت الكنيسة متعلقة باللغة القديمة. عرفت القسطنطينية غير مؤسسة جامعية، ثم كان للبطريركية تعليم جامعي.

المعرفة العالية كان لا بد ان تتضمن تفسير الكتاب المقدس، وبعد تحديد العقيدة ظهرت المفردات اللاهوتية. لقد اثر النسك والتصوف في التعليم وتركزت العقيدة على كتب يوحنا الدمشقي. الصوفيون الكبار كانوا سمعان اللاهوتي الحديث وغريغوريوس بالاماس ونيقولاوس كبازيلاس. هنا تظهر سير القديسين. الكتب الطقوسية وضعت بين القرن الرابع والقرن الخامس عشر وعليها يعيش الارثوذكسيون حتى اليوم. جزء اساسي من الثقافة البيزنطية ان تعرف استعمال كتب العبادات ولا سيما حسب الأعياد والمواسم.

ثم تأتي الأعمال الأدبية الموضوعة بلغة العلماء. وتعالج التاريخ والجغرافية والفن العسكري والبلاغة والقصة، والفلسفة والألسنية وقواعد اللغة.

التاريخ يبدأ من بدء الخليقة وينتهي عند زمن الكاتب. الى هذا الفلسفة اليونانية التي أظهرت اباء الكنيسة. وقد استعار الفكر المسيحي مصطلحات الفلسفة لينتقل ورأى انه يكمل الفكر القديم بالوحي. غير انها بقيت مستقرة في جوهرها. استعملت أساليب مختلفة في بناء اللاهوت غير ان عدد الفلاسفة الأصيلين كان قليلا ولكن كثر العالمون بالآداب اليونانية الكلاسيكية والنقاد وعلماء اللغة وبرز شعراء مسرحيات.

لعل اجمل ما كتب الشعر الديني. كل ما يسمى في الصلوات القنداق والقانون شعر. الى هذا عرفت بيزنطية الشعر الشعبي والقصة بالفصحى وبالعامية. كذلك عرف علماء رياضيات وفيزياء وبصريات.

عرف البيزنطيون علم الحيوان من الناحية التطبيقية وعلم النبات التطبيقي اي استعمال النبات في الطب والصيدلة. اخذوا الخيمياء عن سترابون وطبقوها في المعادن والصبغة والأدوية والزجاج.
على الصعيد الطبي في التنظيم الصحي. أسست مستشفيات وصار للأطباء تعليم نظامي وعززت مواردهم. اشتهروا في علم العين: بولس من ايجينا كان دارس الجراحة والتوليد وأثر في الطب العربي. ميخائيل بسيلوس وضع قاموسا في الأمراض. خصصوا كتبا في طب الأسنان والتمعوا في البيطرة وفي طعام الحيوان. الصيدلة كانت عندهم جزءا من تعليم الطب وأخذوا في الصيدلة شيئا من العرب والفرس.

عظمت الخطابة وسيلة للدعوة السياسية او الدينية. ومن الخطابة الوعظ الذي اشتهر فيه يوحنا الذهبي الفم في القرن الرابع ومطلع الخامس في أنطاكية والقسطنطينية ولدينا مواعظه في اللغة اليونانية مترجمة الى معظم اللغات الأوروبية وبعضها الى العربية.

ظهرت الأيقونة الخشبية او الجدارية في الامبراطورية ولا سيما لتعليم الأميين. منذ القرن الرابع بدأ الرسم كما الفسيفساء. اقدم الفسيفساء (العذراء، القديس جاورجيوس) في سالونيك. القليل حفظ في ايا صوفيا وبقيت ايقونات كشف عنها من عهد أتاتورك. القليل في قبرص والأكثر في رافينا (ايطاليا). وبسبب غلاء الفسيفساء استعيض عنها بالرسم الجداري الذي عرف كثيرا في ما هو الآن المشرق العربي وهو في حال التجدد اليوم في كل انحاء سوريا ولبنان. كذلك زينت المخطوطات بالتصاوير ولا سيما كتب الأناجيل. وارتبطت الصور بصناعة الصياغة والتطريز.

انتبهت الكنيسة الى ضرورة الأيقونة في المجمع المسكوني السابع وحددت تكريمها تحديدا عقديا في السنة الـ787 ملأت الكنائس والبيوت في الدنيا الارثوذكسية وكان بادئ التنظير لها القديس يوحنا الدمشقي الذي عاش راهبا في فلسطين وتبنت الكنيسة رأيه في الأيقونة وهو القائل ان التجسد الإلهي يفرضها. ان روحانية الايقونة في كل بيت ارثوذكسي في العالم الى جانب استلهامها في الكنائس كان من العوامل التي حفظت الايمان.

كل البيزنطيين، كما يؤكد المؤرخون، كانوا مؤمنين. اذا وجدوا راهبا في الطريق يطلبون بركته. في هذا الجو لك ان تفهم اهتمامهم بالمرضى والفقراء.
لقد ظلم بعض الأباطرة لكن بعضهم تركوا الملك ودخلوا الديورة رهبانا. كان هذا المجتمع على خطاياه يريد ان يدشن في الأرض ملكوت الله في استقامة الرأي وطهارة السيرة. علامتها البكاء على الخطايا واللطف والتسامح والسلام والتعاطف والزهد بالمال والتقشف. هذه كلها مجتمعة بكلمة واحدة هي محبة الرب.

الأمر كله ان يهتدي الانسان من الامور الخارجية الى الامور الداخلية. بكلام آخر كل المؤمنين في وسط هذه الحضارة كان نهجهم صوفيا، بحيث تقيم في سر الله ولا تعلم حواسك شيئا مما تأخذ من إلهك وتصلي دعاء الرب يسوع في داخل قلبك مرددا اسمه مئات المرات في اليوم او ألوفا حتى تنطفئ الكلمات ويصبح قلبك كلمة.

من عرف العبادات البيزنطية التي تكونت اصلا من بلادنا يرى فيها غنى لا يتجاوزه غنى آخر. كل صلاة من الصباح الى الغروب الى نصف الليل تحمل هذه القناعة التي نعبر عنها يوم الفصح بقولنا: "المسيح قام من بين الأموات" انت في القداس ترجو الله بعد ان يأتيك جسد الرب ودمه ان يجعلك في "كمال ملكوت السماوات"، متحررا من المحاكمة في اليوم الأخير ومن الدينونة. كل هذه الصلوات الكثيفة، العميقة، البلورية وجسدك ساجد او منتصب ونفسك بلورية نابعة من الكتاب الإلهي او هي نظم له لتصبح شعرا إلهيا مع الجماعة.

اذا قرأ السيد اردوغان كل هذا هل يقدر ان يقول ان كل هذا البهاء الذي وصفناه ما قدر لنا هو حضارة سوداء؟ انت لست معذورا ان قرأتنا وفهمتنا خطأ. انت لست معذورًا ان رأيت النور ظلاما. أجدادك اقتحموا المدينة التي كانت تعرف انها وحدها آنذاك مقر الحضارة في العالم. انصف ما كان قبلك جميلا واقرأ لأنك مسؤول.

المطران جورج خضر -



Tuesday, September 20, 2011

Hammarskjold returns from where life resounds



Consider: a born aristocrat with family lineage going back to the 17th century; son of a prime minister; an accomplished economist, career diplomat and author; foreign minister at 44; and, of course, the secretary-general of the United Nations at the age of 48. Dag Hammarskjold had everything going for him.

Yet, there was an ineffable sadness in him, borne out of that certain loneliness that refuses to go away. Which was what first attracted me to him when in the coziness of a bookshop in downtown Helsinki while on a holiday from Moscow, with a raging January blizzard outside knocking at the glass panes to be let in some 35 years ago, I thumbed my fingers through the volume of poetry titled “Markings”.

What instinctively struck me was not so much Hammarskjold as that W.H.Auden had edited it and written the Foreward to that Faber edition. And Auden begins recalling what drew him, in turn, to Hammarskjold. If my memory holds good, Auden said something to the effect that in the cocktail circuit in New York (where he lived in exile after leaving Britain) in the late 1950s, he often noticed this enigmatic man holding a glass of whiskey and standing uncertainly in a corner of the hall, all by himself, unable to engage the gregarious guests in small conversation. The tension within him was palpable.

Auden one day walked up to him and introduced himself. An introspective, brooding diplomat is an oxymoron. Yet, I could understand.

Through that afternoon and evening in my Helsinki hotel room I read through ‘Markings’, Hammarskjod’s spiritual diary which was found among his papers and published posthumously — on themes as varied as fear, scourge of war, anarchy, loneliness, alienation, the human condition… What hurt me most was a painfully frank poem where he brooded:

“I am being driven forward / Into an unknown land. / The pass grows steeper, / The air colder and sharper. / A wind from my unknown goal / Stirs the strings / Of expectation. / Still the question: / Shall I ever get there? / There where life resounds, / A clear pure note / In the silence.”

Did he finally get there where life resounds? I think he did. Although a mist quickly surrounded him — the mist of the Cold War. There has always been the lurking suspicion that the western powers who picked him for the job in the UN in the high noon of the Cold War and even had him re-elected for a second term as S-G, felt relieved finally when he died. Shades of Thomas Beckett!

Hammarskjold’s closest relative has now demanded that the file be re-opened and a fresh probe be conducted about the circumstances in which the plane in which Hammarskjold was travelling was brought down and the UN’s top man was killed even as he was pushing the envelope for Africa’s liberation. Big Cold War skeletons may tumble out of the western's ZIOCONNED cupboards if Ban Ki-Moon digs deep for truth about the most infamous White House Murder INC,....



Friday, September 9, 2011

رقص تركي على حبال المنطقة... والنتيجة ؟ (العميد أمين حطيط)



يكاد الكثير من المراقبين والباحثين في سياسات دول المنطقة واستراتيجياتها يحارون في تصنيف الدولة التركية وتحديد موقعها الصحيح على هذا المسرح الاستراتيجي المشرقي مع ربطه بالمسرح الاوسع دوليا. فتركيا – حزب العدالة والتنمية برعت في السنوات الخمس الاخيرة في اطلاق المواقف المتناقضة في الزمان والمكان ذاته. تلغي مناورات مع الناتو لأن "اسرائيل" ستشارك فيها ثم تنفذ وفي الاسبوع نفسه مناورات مع "اسرائيل" وتشترط حجبها عن الاعلام، ترفض التدخل العسكري في ليبيا من اي جهة جاء ثم تشارك بصيغة او بأخرى في خطة الناتو العسكرية التي اودت بنظام معمر القذافي، تغضب لاهانة سفيرها في "اسرائيل" ثم ترفض التعامل بالمثل او اتخاذ موقف يؤلم الدبلوماسية "الاسرائيلية"، وقبل ذلك تعلن وتشهر استراتيجيتها القائمة على قاعدة "صفر مشاكل " ثم تتوجه الى الميدان بعد " التصفير " الى انتاج مشاكل جديدة مع احياء ذاكرة الآخرين بما كان من مشاكل معها ما يصحّ فيه القول بأن ادعاءها بـ "صفر مشاكل" انقلب الى "صفر ثقة" تؤدي الى شل علاقاتها بدول المنطقة ومكوناتها السياسية والاثنية، وتجميدها خلافاً لمقتضيات استراتيجية الانخراط في المنطقة والاقتران الاستراتيجي بدولها مع ما يفرضه من نسف المشاكل القائمة وبناء الثقة الثابتة والتراكمية.
أ‌. والآن وبعد المواقف التركية من سورية واسرائيل فضلا عن ايران والقضية الفلسطينية، يبدو السؤال الملح: اين تركيا في موقعها الحقيقي ؟ وهنا لانرى الاجابة صحيحة الا بالتعمق في المواقف التركية من دون الاكتفاء بالتوقف عند ظاهر الكلام وسطحية المواقف.

1) مع استراتيجيتها الجديدة اظهرت تركيا اهتماما بالقضية الفلسطينية الى الحد الذي ظن فيه البعض ان فلسطين ستحرر على يد الاتراك وحدهم تقريبا وكانت المواقف الاستعراضية التركية في الأروقة الدولية او في مياه المتوسط وضفافه توحي " بانتفاضة تركية " على التاريخ التركي في العلاقة مع اسرائيل، لكن وبدون عذر مفهوم تراخت تركيا ولاشهر طويلة عن المطالبة الجدية بدماء ابنائها الذين قتلوا بيد اسرائيلية على سفينة تركية ولم تطرد سفيراً أو تقطع علاقات دبلوماسية او سواها، لكنها امتنعت لاحقا عن تكرار تجربة اسطول الحرية لتوحي عملياً "لاسرائيل" بأنها استوعبت العملية التأديبية وتعد بعدم تكرارها، ثم وتعود وتطرد السفير "الاسرائيلي" بعد اشهر طويلة.

2) و مع استراتيجيتها الجديدة انفتحت تركيا على سورية التي تلقفت المسعى وشرعت الابواب وتناست التاريخ وبنت للمستقبل معوّلة على ان تصبح تركيا عمقا استراتيجيا مضافا الى عمق آخر باتجاه الشرق في ايران، ولكن وما ان تحرك بضعة مئات من المواطنين السوريين في شوارع درعا حتى انقلب الموقف التركي ضد سورية بحيث بدت تركيا تمارس سلوك " الاستذة " والامرة على النظام السوري كأنه نظام قاصر فاقد الولاية على النفس ومنعدم السيادة، ورغم ان سورية افرطت في محاولة استيعاب المواقف التركية حتى لا تتسرع في خسارة صديق او حليف استراتيجي محتمل تفرض الجغرافيا افضل العلاقات معه، رغم هذا استمرت تركيا في لعب دور " عدائي" ضد سورية، دور تجلى في المواقف السياسية العلنية، واحتضان من يسمون انفسهم معارضة سورية، ثم تتبنّى مشروع تنظيم الاخوان المسلمين الذين يسعون بدعم اميركي الى الاطاحة بالحكم السوري القائم، ولم تتورع تركيا في عملها ضد سورية عن دعم الحركات المسلحة وتوفير الملاذ الامن لاشخاصها وعائلاتهم عبر اقامة المخيمات فضلا عن التلويح بالتدخل العسكري ضدها سورية، وهو التدخل الذي ما كان ليصرف النظر عنه، الا من خلال التهديد الايراني الحازم برد فعل قاسٍ يشمل كل المساحة التركية وما عليها من قواعد اميركية واطلسية.

3) و مع استراتيجيتها الجديدة انفتحت تركيا على ايران الى الحد الذي اتخذتها ايران فيه " وسيطا مأمونا" في المباحاثات الدولية حول الملف النووي السلمي الذي تعمل فيه، وكانت تركيا تغالي المرة تلو الأخرى باظهار حرصها على الامن الايراني والعلاقات البينية مع ايران كونها دولة مشرقية جارة لها ودولة اسلامية تتقاطع مع حزب العدالة والتنمية باحترامها وعملها بالشريعة الاسلامية. لكن الموقف العملي الاخير والمتجسد بقبول تركيا نصب الدرع الصاروخية الاطلسي على اراضيها نسف كل الكلام المعسول، اذ انه في الوقت الذي رفضت فيه دول عدة في اوروبا الشرقية المنضوية في الحلف الاطلسي استقبال منظومة الرادارات العملاقة كجزء من الدرع الصاروخية ذاك، قبلت تركيا بإقامة تلك المنظومة على اراضيها ولجأت الى حركة مسرحية أثارت بها دخاناً سياسياً تعوِّل عليه لحجب هذا القرار الاستراتيجي البالغ الاهمية والخطورة على امن المنطقة وطبيعة النزاعات العسكرية المستقبلية حولها. اذ من المضحك والمثير للسخرية ان تحاول تركيا اقامة التوازن بين قرار تكتيكي مرحلي يمكن العودة عنه في اي لحظة ويتمثل بطرد السفير "الاسرائيلي" من انقرة (و نعتقد انه سيعود في مهلة لن تتجاوز الاشهر الى السنة ) وبين قرار استراتيجي يتمثَّل في نصب الدرع الصاروخية ضد كل من روسيا وايران وسورية لحماية "اسرائيل" والمصالح الغربية. وتعلم تركيا ان الدرع الصاروخية هذه عندما يكتمل تفعيلها ستشكل دافعا للغرب لمهاجمة ايران بعد ان يطمئن للمنظومة الدفاعية التي تحميه من الصواريخ الايرانية.
بعد كل هذا نسأل ما هي حقيقة تركيا ومواقفها واهدافها، وهنا نرى الاجابة سهلة انطلاقا من المواقف والسلوك العملي بعيدا عن الخداع والاستعراض الكلامي ويمكننا القول:

1) ان تركيا عضو اساس فاعل في الحلف الاطلسي ( الناتو )ينفذ ما يقرره الحلف بقناعة تامة وليس نتيجة قرار الاكثرية وانصياع الاقلية لان نظام الحلف قائم على مبدأ القرار بالاجماع، ما يعني انه يكفي الرفض التركي حتى يتوقف صدور اي قرار.
2) ان تركيا الاطلسية وافقت على كل ما طلب ويطلب منها في اطار الحلف الاطلسي بما في ذلك المفهوم الاستراتيجي العام للحلف والمعتمد لعقد من الزمن يبدأ في 2010، مع العلم بان هذا المفهوم يعتمد استراتيجية التدخل في الشرق الأوسط بالقوة الناعمة التي تتضمن انتاج الازمات والفتن الداخلية لبلدانه المعارضة للسياسة الغربية، وصولا الى تغيير الانظمة، او تجميدها او حملها على الانكفاء الى الداخل بعيدا عن قضايا المنطقة وهمومها. وبالتالي تلعب تركيا في هذا المجال دور طليعة او رأس القوى المتدخلة وبهذا يفهم دورها في جسر الشغور وتلويحها بالحاقه في التدخل العسكري الكامل في سورية.
3) ان سياسة تركيا تجاه اسرائيل مهما تقلبت تبقى محكومة بسقف التحالف الاستراتيجي الذي تقوده اميركا، وان الصراخ والتهديد والمد والجزر في العلاقة لا يعدو كونه تقلباً في علاقات الافراد في البيت والعائلة الواحدة المتماسكة.و بهذا نفهم طرد السفير "الاسرائيلي" من انقره على اساس انه "ثورة غضب مزيفة" تخفي مناورة للتغطية على حقائق أهم يراد حجبها.
4) ان تركيا ذات طموح اكيد بأن تسيطر على المنطقة متكئة على فئات محلية سبق لها ان تحالفت مع الغرب وأعادت تحالفها اليوم معه، وبهذا يفهم احتضانها للاخوان المسلمين الذين ستتخذهم اداتها في السيطرة، ولتكون هي يد الغرب في الامساك بالمنطقة.
وبعد هذا نعود الى السؤال : هل ستنجح تركيا في مهمتها الاطلسية ؟
قبل الاجابة نسجل بان تركيا استطاعت ان تحدث خرقاً كبيراً في العامين الماضيين لكن افتضاح امرها في سورية، وعجز الغرب عن الاطاحة بالحكم السوري سيرتدان على تركيا خسائر استراتيجية وفق ما تتوقع واكثر مما تحتمل وستجد تركيا نفسها انها لم تكن لاعباً محترفاً على حبال السياسة الشرق أوسطية، وفي المقابل ستبقى قافلة منظومة المقاومة التي جاءت تركيا لتقطع الطريق عليها ستبقى مستمرة في مسيرتها لمنع المشروع الغربي الذي يعتبر تركيا احدى ادواته، لتمنعه من تحقيق اهدافه ضد مصالح شعوب هذه المنطقة.