عن أي استقلال تتكلمون؟
ليلى نقولا
الرحباني -
لمناسبة عيد الاستقلال اللبناني، تحاول الدولة اللبنانية من خلال
الاستعراض العسكري ومنح يوم عطلة سنوي، أن تُكسب هذه المناسبة أجواءً احتفالية، لا
يبدو أن أحداً من اللبنانيين يشعر بها، أو يصدّق تحقّقها، باعتبار أن معايير
استقلال دولتهم ما انفكت تتناقص يوماً بعد يوم.
بُعيد انسحاب الجيش السوري من لبنان، عاش بعض اللبنانيين أملاً بتحقيق استقلال وسيادة تُنهي عهد الوصاية، وتُخرج الدولة من عجزها، وتدخلها إلى مصاف الدولة المستقلة السيدة التي تملك حرية قرارها وتمسك بجميع مفاصل إدارة الحكم، وتحقق ما يطمح إليه اللبنانيون من سيادة واستقلال، لكن الاستئثار بالحكم الذي حصل، والأزمات التي عاشها اللبنانيون، أجهضوا أي أمل بالتفاؤل أو بصيص نور يمكن أن يلوح في الأفق البعيد.
مبدأياً، ترتبط السيادة بمفهوم استقلال وحرية الإرادة، لذلك يعد الاستقلال السياسي شرطاً لازماً لتمكين الدولة من ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيديْن الداخلي والخارجي، فتكون ممارسة السيادة في جانبين؛ داخلياً، ويعني امتلاك الدولة سلطة شرعية مطلقة على جميع الأفراد والمجموعات التي يتعين عليها إطاعة السلطة السيدة داخل إقليمها، وخارجياً، أي الاستقلال عن كل رقابة وتدخل من أية دولة أخرى أو منظمة دولية. بعبارة أخرى، يُفترض في السلطة السياسية التي تجسد إرادة الدولة وتمارس مظاهر السيادة باسمها أن تكون مستقلة وموحّدة، وفي وضع يمكّنها من فرض إرادتها وسيطرتها في الداخل وهيبتها واحترامها في الخارج، وأن تكون قادرة على التعامل بنديّة وتكافؤ مع الدول الأخرى.
فأين الدولة اللبنانية من هذه المعايير؟
- من الناحية الأمنية: يعيش اللبنانيون تناقصاً يومياً في شعورهم بالأمان والاستقرار، وتتناقص هيبة الدولة وقدرتها على ممارسة سلطاتها وسيادتها على القرارات الأمنية في البلاد. فها هو الشيخ أحمد الأسير يعلن نيّته وعزمه على إنشاء ميليشيا مسلحة لاستباحة أمن صيدا واستقرارها، ولتهديد السلم الأهلي من خلال دفع البلد إلى فتنة سنية - شيعية قد لا تسلم منها المنطقة العربية بأكملها في حال اندلاعها. أما عناصر "الجيش السوري الحر" وبعض المجموعات الإرهابية الأخرى، فتستبيح الشمال وجزءاً من البقاع اللبناني. وفي مشهد شبيه بسبعينات القرن الماضي، من خلال السيطرة على جزء من الجنوب، أو ما سُمّي فيما بعد "فتح لاند"، حاول بعض المسلحين السوريين، بمعاونة أطراف لبنانية من قوى 14 شباط، القيام باقتطاع مناطق لبنانية في الشمال للاستئثار بحكمها، والانطلاق منها إلى تقويض استقرار الدولة السورية.
- من الناحية السياسية: يعيش اللبنانيون اليوم على وقع التطورات الحاصلة في الميدان السوري، فكلما احتاج الغرب وبعض العرب إلى تصعيد ما، أو دخان يحجب الأنظار عن الخسائر التي تتكبدها المعارضة في سورية، قام حلفاؤهم اللبنانيون بتصعيد سياسي، وأمني أحياناً، للتعمية والاستحصال على مكاسب سياسية داخلية تعوّض ما يتمّ خسارته في سورية.
- من الناحية القضائية: تنازلت الدولة اللبنانية عن سيادتها القضائية في التحقيق ومحاكمة المتهمين في قضايا الاغتيال التي يثبت أنها مرتبطة باغتيال الحريري، وقد قامت الحكومة اللبنانية التي وقّعت بروتوكول التعاون مع الأمم المتحدة بالتنازل كلياً عن السيادة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تستهلك من أموال المكلّف اللبناني أموالاً طائلة، وقد نصّت المادة الرابعة من النظام الأساسي أن للمحكمة الدولية الخاصة ضمن اختصاصها أسبقية على المحاكم الوطنية في لبنان، وأن المحاكم اللبنانية تتنازل عن كامل اختصاصها لصالح المحكمة، وهو أمر لم تفعله دول أعجز وأقل تقدّماً من الدولة اللبنانية، كسيراليون وكمبوديا وغيرهما.
- من الناحية الاقتصادية: تعيش البنوك والأسواق المالية اللبنانية تحت رحمة منظمات الرقابة الدولية، خصوصاً الأميركية منها، التي تقوم بالتجسس على البيانات المالية، والتحقيق في جميع التحويلات المالية بذريعة "مكافحة الإرهاب". ومؤخراً قامت بعض المنظمات غير الحكومية وغير التابعة لأي هيئة دولية رسمية، بتهديد القطاع المصرفي اللبناني، وتوجيه أسئلة إلى حاكم المصرف المركزي أقل ما يقال فيها إنها انتهاك خطير لسيادة لبنان، وتدخل سافر في شؤونه الداخلية.
بالنتيجة، تشهد الدولة اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم تدخلات شتى في شؤونها الداخلية، ويبدو لبنان مسرحاً للكثير من العمليات الأمنية، وعمليات الحروب القذرة التي تقوم بها الاستخبارات العالمية؛ من مخططات اغتيال، إلى محاولات انقلاب، إلى بحث في تغيير أنظمة ومناطق عازلة، وحروب بالوكالة. في المقابل، يفسح معظم السياسيين اللبنانيين المجال لتلك التدخلات، فينتظرون "كلمة سر" خارجية لاتخاذ قرارات سيادية لبنانية صرف، ويربط معظمهم مصيره ومصير الوطن والشعب اللبناني بمصالح دول خارجية أجنبية وعربية لا همّ لها إلا مصلحتها القومية الخاصة.
في النهاية، ألا يحق للبناني أن يسأل: "بربّكم، عن أي استقلال تتكلمون؟ وبماذا تحتفلون"؟
بُعيد انسحاب الجيش السوري من لبنان، عاش بعض اللبنانيين أملاً بتحقيق استقلال وسيادة تُنهي عهد الوصاية، وتُخرج الدولة من عجزها، وتدخلها إلى مصاف الدولة المستقلة السيدة التي تملك حرية قرارها وتمسك بجميع مفاصل إدارة الحكم، وتحقق ما يطمح إليه اللبنانيون من سيادة واستقلال، لكن الاستئثار بالحكم الذي حصل، والأزمات التي عاشها اللبنانيون، أجهضوا أي أمل بالتفاؤل أو بصيص نور يمكن أن يلوح في الأفق البعيد.
مبدأياً، ترتبط السيادة بمفهوم استقلال وحرية الإرادة، لذلك يعد الاستقلال السياسي شرطاً لازماً لتمكين الدولة من ممارسة مظاهر سيادتها على الصعيديْن الداخلي والخارجي، فتكون ممارسة السيادة في جانبين؛ داخلياً، ويعني امتلاك الدولة سلطة شرعية مطلقة على جميع الأفراد والمجموعات التي يتعين عليها إطاعة السلطة السيدة داخل إقليمها، وخارجياً، أي الاستقلال عن كل رقابة وتدخل من أية دولة أخرى أو منظمة دولية. بعبارة أخرى، يُفترض في السلطة السياسية التي تجسد إرادة الدولة وتمارس مظاهر السيادة باسمها أن تكون مستقلة وموحّدة، وفي وضع يمكّنها من فرض إرادتها وسيطرتها في الداخل وهيبتها واحترامها في الخارج، وأن تكون قادرة على التعامل بنديّة وتكافؤ مع الدول الأخرى.
فأين الدولة اللبنانية من هذه المعايير؟
- من الناحية الأمنية: يعيش اللبنانيون تناقصاً يومياً في شعورهم بالأمان والاستقرار، وتتناقص هيبة الدولة وقدرتها على ممارسة سلطاتها وسيادتها على القرارات الأمنية في البلاد. فها هو الشيخ أحمد الأسير يعلن نيّته وعزمه على إنشاء ميليشيا مسلحة لاستباحة أمن صيدا واستقرارها، ولتهديد السلم الأهلي من خلال دفع البلد إلى فتنة سنية - شيعية قد لا تسلم منها المنطقة العربية بأكملها في حال اندلاعها. أما عناصر "الجيش السوري الحر" وبعض المجموعات الإرهابية الأخرى، فتستبيح الشمال وجزءاً من البقاع اللبناني. وفي مشهد شبيه بسبعينات القرن الماضي، من خلال السيطرة على جزء من الجنوب، أو ما سُمّي فيما بعد "فتح لاند"، حاول بعض المسلحين السوريين، بمعاونة أطراف لبنانية من قوى 14 شباط، القيام باقتطاع مناطق لبنانية في الشمال للاستئثار بحكمها، والانطلاق منها إلى تقويض استقرار الدولة السورية.
- من الناحية السياسية: يعيش اللبنانيون اليوم على وقع التطورات الحاصلة في الميدان السوري، فكلما احتاج الغرب وبعض العرب إلى تصعيد ما، أو دخان يحجب الأنظار عن الخسائر التي تتكبدها المعارضة في سورية، قام حلفاؤهم اللبنانيون بتصعيد سياسي، وأمني أحياناً، للتعمية والاستحصال على مكاسب سياسية داخلية تعوّض ما يتمّ خسارته في سورية.
- من الناحية القضائية: تنازلت الدولة اللبنانية عن سيادتها القضائية في التحقيق ومحاكمة المتهمين في قضايا الاغتيال التي يثبت أنها مرتبطة باغتيال الحريري، وقد قامت الحكومة اللبنانية التي وقّعت بروتوكول التعاون مع الأمم المتحدة بالتنازل كلياً عن السيادة للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تستهلك من أموال المكلّف اللبناني أموالاً طائلة، وقد نصّت المادة الرابعة من النظام الأساسي أن للمحكمة الدولية الخاصة ضمن اختصاصها أسبقية على المحاكم الوطنية في لبنان، وأن المحاكم اللبنانية تتنازل عن كامل اختصاصها لصالح المحكمة، وهو أمر لم تفعله دول أعجز وأقل تقدّماً من الدولة اللبنانية، كسيراليون وكمبوديا وغيرهما.
- من الناحية الاقتصادية: تعيش البنوك والأسواق المالية اللبنانية تحت رحمة منظمات الرقابة الدولية، خصوصاً الأميركية منها، التي تقوم بالتجسس على البيانات المالية، والتحقيق في جميع التحويلات المالية بذريعة "مكافحة الإرهاب". ومؤخراً قامت بعض المنظمات غير الحكومية وغير التابعة لأي هيئة دولية رسمية، بتهديد القطاع المصرفي اللبناني، وتوجيه أسئلة إلى حاكم المصرف المركزي أقل ما يقال فيها إنها انتهاك خطير لسيادة لبنان، وتدخل سافر في شؤونه الداخلية.
بالنتيجة، تشهد الدولة اللبنانية منذ الاستقلال وحتى اليوم تدخلات شتى في شؤونها الداخلية، ويبدو لبنان مسرحاً للكثير من العمليات الأمنية، وعمليات الحروب القذرة التي تقوم بها الاستخبارات العالمية؛ من مخططات اغتيال، إلى محاولات انقلاب، إلى بحث في تغيير أنظمة ومناطق عازلة، وحروب بالوكالة. في المقابل، يفسح معظم السياسيين اللبنانيين المجال لتلك التدخلات، فينتظرون "كلمة سر" خارجية لاتخاذ قرارات سيادية لبنانية صرف، ويربط معظمهم مصيره ومصير الوطن والشعب اللبناني بمصالح دول خارجية أجنبية وعربية لا همّ لها إلا مصلحتها القومية الخاصة.
في النهاية، ألا يحق للبناني أن يسأل: "بربّكم، عن أي استقلال تتكلمون؟ وبماذا تحتفلون"؟