البطريرك صفير ينضم إلى 14 آذار
Since the outbreak of the Civil War the Lebanese, both politicians, all the Clergy and the party leaders in Lebanon have supported Syria, Iraq, Iran, Saudi Arabia, Israel, the Palestinians, the United States, France, Britain, Egypt, the Soviet Union, communism, socialism, pan-Arabism, Baathism, CIA, MOSSAD, AMAN, DIA, DGSE, BND, MI6, SIMI, KSA, GID, CSIS, and very likely a slew of others isms, with very few Lebanese politicians coming out in support of Lebanon....
يريد بعض اللبنانيين، ان يكون البطريرك الماروني، على غير ما هو عليه. يصر هذا البعض على أن يتخلى عن سيرته السابقة، وقد اتسمت بالثبات والعناد والوضوح الصارخ. يطلب هذا البعض أيضاً من غبطته أن يرتكب المستحيل، ويطلّق قوى الرابع عشر من آذار.
قليل من التعقل. لا تشي سيرة البطريرك صفير التي رسمها بخطواته ومواقفه وعظاته ومداخلاته ومشاوراته، أنه من غير طينته أو خارج عن المرجعية الثقافية ـ التاريخية للبطريركية المارونية. لذا، كان صاحب الوحي والرعاية لقرنة شهوان، وكان صاحب الفعل والتأثير لأول بيان للمطارنة في لبنان، غبّ الخامس والعشرين من أيار العام 2000، وهو الأمين على التراث البطريركي، الذي كوفئ بجائزة لبنان الكبير، بعد هزيمة سوريا في ميسلون، وسقوط مشروع الدولة العربية الأولى، واستقى مواقفه ممن أنجبتهم الحالة اللبنانية/ المارونية، من اميل إده، وكتلته الوطنية، إلى الكتائب وفروعها المتعددة التي أوصلت بشير الجميل إلى رئاسة الدولة، بالحراب والدبابات الإسرائيلية.
لقد كانت البطريركية المارونية، الحارس الأمين «للصفاء اللبناني» و«النقاء اللبناني»، خوفاً من أي «شرك» عروبي أو فلسطيني أو إسلامي. لقد أرسى الصرح البطريركي أسساً للبنان المسيحي، لم يعرِّضها يوماً للمساءلة والمحاسبة من أحد. نظرته إلى لبنان، مقيَّدة بالخصوصية المارونية، والتميز المسيحي، والتشبّث بالكيان، والتملص من أي التزام عربي. هنري فرعون الكاثوليكي، عبَّر عن بكركي في اجتماعات تأسيس الجامعة العربية في القاهرة.
فترات «الابتسام المتبادل» في السياسة، مع القوى اللبنانية الطائفية الشبيهة، ولو على غير دين بكركي، حكمتها تكتيكات مرحلية. «الوئام اللبناني» كان لازمة لاستمرار الأرجحية المارونية، في أزمنة الصفو الإقليمي. ولما انقلبت الأرجحية لقوى طائفية جديدة، مارست البطريركية صروف الإحباط، واستنجدت بمن تيسَّر من الخارج... وصولاً إلى واشنطن.
«طول عمرها» بكركي تشكو من قلة لبنانية الآخرين. تشك بصفاء لبنانيتهم. تطعن بولائهم لدولتهم، لأنهم أشركوا بانتمائهم المنقوص، عروبة وقومية وفلسطينية وعقائد «هدامة»... «طول عمرها» بكركي، تئن من دمشق. مشكلتها معها، منذ الولادة القيصرية الدامية للبنان الكبير، ومشكلتها الكبرى، مع من هو إلى جانب دمشق. وعليه، فإن البطريرك، سيزور العالم كله، وسيراه قريباً إليه والى معتقده السياسي، وسيمتنع عن زيارة دمشق الأكثر بعداً عن مذهبه اللبناني.
فالبطريرك صفير، صادق جداً مع ثقافته. سياسته نتاج مارونيته السياسية، الطالعة من ثقافة الخوف من المحيط. وعليه، فهو مع 14 آذار، بلبنانيتها المستحدثة، وبثورة الأرز فيها، وضد حزب الله ومقاومته، ومع «القوات» التي ينتصر لفكرها المسلمون السنة، في «أكثريتهم»، وضد الجنرال عون المتفاهم مع «الشموليين».
ما جاء أعلاه، لا إساءة فيه لموقع البطريرك الديني أبداً. لم نتطرق إلى المعتقدات والطقوس وشروط الإيمان وكيفيات العبادة. فهذه، فوق السياسة، والمساس بها خطأ شنيع، ولن أرتكبه.
إذاً، لا حرج في ان نقول، ان من حق البطريرك صفير ان يكون في 14 آذار، أو في موقع ماروني سياسي آخر. وأظن أن هذا الأمر ينبغي التعامل معه، كبديهية سياسية... والمقولة هذه، ليست تكفيراً أو كفراً، بل هي تقرير لواقع الحال. ويفترض بعد ذلك التعامل مع البطريرك، كرجل سياسي فقط، لا غير، لأنه عند القيام بنشاطه لبنانياً، يتحرك في حقل السياسة. والسياسة مواقع مختلفة، ومنصات متباينة، ومصالح متناقضة، وقيادات متنابذة، وقضايا عظمى، قد تُسيل من الدم أكثر مما تسيل من الحبر.
أقول، البطريرك يتحرك كسياسي... البعض يحاول أن يضع حركة أصحاب المواقع الدينية والمذهبية كأنها في المقام الوطني. هذه، بكل تهذيب، مبالغة غير مقبولة. هذا، بوضوح، من نمط النفاق السياسي اللبناني. هذه تغطية مكشوفة لمن يتحرك سياسياً، ويغوص في التفاصيل، وفي أتفه التفاصيل، وفي أرخص التفاصيل، ثم، يطوَّب مقامه، بالمقدس الوطني.
المرجعيات المذهبية والطائفية في لبنان، ليست مرجعيات وطنية، ولم تكن كذلك في تاريخها. هي مواقع توظف ما لديها من نفوذ روحي/ مذهبي/ عقدي/ طائفي/ تربوي/ تنظيمي/ في خدمة أغراض ما دون السياسة أحياناً، وفي السياسة اللبنانية غالباً.
انهم يتدخلون في الصغيرة والكبيرة. أحياناً يطلبون تغطية فاسدين، والحجر على أوادم. ذاكرة لويس الحاج، كشفت كيف تتصرف المرجعيات الدينية، مع أصحاب القرار السياسي. يهون عندهم الحرام ويصعب معهم الحلال.
لا مرجعيات وطنية في لبنان، على مستوى المراجع المذهبية والطائفية. ولو كانوا كذلك، لاستدللنا على مرجعيتهم الوطنية، من خلال تحركهم الوطني.
يمر لبنان، بين يوم ويوم، وبين لحظة ولحظة، بمخاوف عظمى، قد تطيح بما تبقى من لبنان، دولة وشعباً ومؤسسات. المخاوف ناتجة عن عدم اتفاق القيادات اللبنانية وجماهيرها الطائفية، على قضايا وطنية كبرى، بل عظمى. ومع ذلك، فلم نجد مسعى أو تدبيراً أو محاولة، لتلتقي فيه هذه المرجعيات المذهبية «الوطنية»، في قمة، ولو على سبيل التمثيل، أو «الضحك على الذقون». كل مرجعية منصرفة إلى سَن مواقفها الحادة، وفق انتظامها الطائفي والمذهبي والسياسي.
فلبنان، ممزقاً حول قضايا وطنية، أهمها هويته ونظامه السياسي المنهوك والمنتهك وسلاح مقاومته وسلمه الأهلي وعلاقته بسوريا، لا يتفق على من «هم أعداؤه ومن هم جيرانه»، يكاد ينغلق وينشق ويهلك بسبب شهود الزور، والقرار الظني والمحكمة الدولية.
لا ينبغي للمتذاكين ان يدلونا إلى بيانات وزارية تلفيقية، كتبت في ليل التأليف الطويل، وخناجر النيات مختبئة تحت سرة اللغة. ولا يفترض بأصحاب الزغل الوطني، أن يهوّلوا علينا بكذبة «الوحدة الوطنية».
اننا نعيش في بلد، لا وطن فيه، كي تكون لنا مرجعيات وطنية. وطن اللبنانيين، طوائفهم ومذاهبهم... ويقيمون في قعر التخلف والتعصب.
فمن المنطقي، ان يكون البطريرك صفير مع «القوات» و14 آذار، ومع المحكمة الدولية، والقرار الظني، ولو أدى ذلك إلى خسارة المسيحيين بعض ما هم عليه. كما انه من المنطقي أن يكون مفتي الجمهورية، من يؤم الصلاة والسياسة مع سُنة 14 آذار، لا مع سُنة 8 آذار. وبديهي أن يكون أصحاب الرتب في المجلس الشيعي الأعلى، على المذهب السياسي لكل من «أمل» و«حزب الله».
هذه مرجعيات لأصحابها ولأوطانها الصغيرة، وليس للوطن الذي لم يحضر بعد... لذا، تفلسف البعض، عندما رأى إلى لبنان، انه مشروع وطن قيد الانجاز. والأصح، أنه مشروع بلد قيد الاجهاز الدائم على فكرة الوطن وفكرة الدولة وفكرة الشعب الواحد.
من يراجع تاريخ المرجعيات ومن يشببهها على مستوى التمذهب، يفترض به أن يخرج من اللباقات وأساليب النفاق... فلتتحمل كل مرجعية مسؤولية أفعالها وخياراتها. ومن يمكنه أن يرى أبعد من الأنف الطائفي قليلاً، فعليه أن يفرح بإدخال هذه المرجعيات في المعترك السياسي، والتعامل معها بالسياسة، وتدفيعها الثمن الباهظ... لا تخاض المعارك المدنية واللاطائفية، في المعتقدات والنصوص الدينية. تخاض في الميدان السياسي، ولو أدى ذلك إلى تشنج طائفي. وإنه لأمر مثير للسخرية أحياناً، أن ننزّه المرجعيات الدينية عن تصنيع هذا التشنج، فهم منه وفيه وبه، ومن دون هذا التشنج تفقد المرجعيات تأثيرها وتنعدم وظيفتها.
كتب ريجيس دوبريه، في زمن اعتقاله في بوليفيا، بعد استشهاد القائد الثوري العظيم تأملات فلسفية، جاء فيها رأي بالغ الأهمية: كانت المسيحـية دين المعذَّبين (بفتح الذال) وبعد ثلاثة قرون، صارت دين المعذِّبين (بكسر الذال). واضطر الناس لمقاومة هذا الانقلاب في سياسة هذا الدين، حيث انتقل من كونه دين الرحمة والحب والفقراء، إلى دين البطش والحقد والأثرياء. وفي مراحل النضال الشعبي المختلف، وانطلاقاً من حركات تنويرية وثورية، كانت الكنيسة تخسر في السياسة، وتستوطن في العزلة، إلى أن باتت عديمة التأثير في السياسة، وإن ظلت شديدة التأثير في ميدان الروح.
عندنا، المسألة معكوسة، لا تزال القوى الدينية والمذهبية، مصطفة اصطفافاً سياسياً، مع ما يلزم هذا الاصطفاف، من تلوّث وانحياز وأخطاء وخطايا وأحياناً جرائم (تذكروا تاريخ الدم في لبنان. ومن عفا عما مضى، ومن بارك القتلة).
عندنا، كي يعود الدين إلى وطنه الروحي، يلزم أن نجبره، سياسياً، وأن نهزمه في السياسة. خلاص الدين من رجالاته، يأتي ممن شقّوا عصا الطاعة على مرجعياتهم.
في هذا المقام، يتبوأ الوزير الراحل شهيدنا البطل الرئيس ايلي حبيقة مركز الجرأة. قرر أن يضع بكركي في مقام الدين، محاولاً تجريدها من الصدقية السياسية. نجح في عزل جماهير واسعة من المسيحيين عن مرجعياتهم الدينية. بدا، كأنه يصوِّب المسار المسيحي المشرقي... أخرجهم من تاريخ البطريركية السياسي، أخذهم عكس الاتجاهات الثقافية الانعزالية التي سادت طوال قرن... هل ينجح؟
أما المرجعيات الدينية والمذهبية الأخرى، فهي مطمئنة.. وهذا ما يثير القلق الكبير، على الوطن.